4 déc. 2010

رد على مقال الدكتورة آمال قرامي : نعم الراب و بأس النقد



نعم الراب و بأس النقد
رد على مقال الدكتورة آمال قرامي 

من هنا مقال الدكتورة آمال قرامي 
  


بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله 

تطلّ علينا الباحثة التونسية آمال قرامي بمقال تزعم فيه تفكيك و تحليل ما أسمته بظاهرة " الراب " ذي المضمون العدمي  المنضوي تحت الفكر الجهادي الذي يسعى لتقويض دولة المواطنة و إحلال ثقافة التخريب و الانغلاق ، و تصدّر الدكتورة مقالها بمقدّمة تحاول فيها تعداد أسباب عزوف و رفض كثير من الباحثين و المتخصّصين بالشأن الديني عن معالجة بعض الظواهر الاجتماعية ، و تفكيك الدلالات التي تحملها ، و في ظلّ هذه اللامبالاة ، و كإثراء للعدّة المعرفيّة ، فقد استأسدت و اقتحمت ما تجشّم أغلب من ينتمي للنخب المثقّفة الولوج في ثناياه .

 و لكنّ الباحثة الموقّرة تنسى أو تتناسى المعطى الواقعي الذي يبرز حجم الإقدام الكبير ممن هب و دبّ لتحليل ما يسمى بالظواهر الدينية ، بل أصبحنا نجد مؤسسات و مراكز دراسات ( عربيّة و أجنبيّة )  همّها العناية بمثل هذه الأبحاث ، فهي في هذه النقطة بالذات قد أبعدت النجعة ، لما في توصيفها من مخالفة للواقع ، أضف إلى الخطأ المنهجي الذي وقعت فيه حيث جعلت من مهمتها كباحثة مختصّة في سوسيولوجيا و أنتربولوجيا الأديان العلاج ، إذ هذه الكلمة ( أعني العلاج ) لها مضامين دلالية ( غير مبرهنة ) تفترض مسبقا التوصيف المرضي للحالة موضع البحث ، و بالتالي امتلاكها أحقيّة معرفيّة تجعل من أبحاثها علاجا و ترياقا لهذه المظاهر المفترض اعتلالها ، و في هذا بعد لا يخفى على ذوي الألباب ، إذ وظيفة الباحث السيسيولوجي هي التفكيك و التحليل بأكبر طريقة موضوعية ممكنة دون الانخراط في عمليّة التقييم ( لأنها تفترض أحقيّة معرفيّة مفتقرة للدليل ) ، و لا ننسى أن نشير في هذا الصدد إلى المأزق المعرفي ( طرق التحليل و التفكيك ) الذي تعاني منه مثل هذه العلوم الانسانية ، لما في اعتماد أغلبها على مجموعة من الظنون و الافتراضات هي في مضامينها الدلالية تعبير عن تمظهرات للمصادرات و الإسقاطات ، أضف إلى وجود المدارس المتعددة في صلب هذا الفرع من المعرفة الانسانية ، و عليه فإن طريقة التحليل و التفكيك ( الوظيفة المفترضة ) لا تخلو من ظنون و أوهام تجعل نتائجها ( أبعد ما يكون عن الوثوقية و اليقينيّة ) موضع النقد و التمحيص ، فمن باب أولى أن ترفض هذه النتائج في مثل هذه البحوث التي تجاوزت مهمتها المفترضة ، لتكشف عن قناع أيديولوجي يفترض الأحقية المعرفية و الثقافيّة للباحث ، و بالتالي فلا حجّة فيما تقوم به الباحثة من علاج ، و هذا على فرض أنّها التزمت بقوانين المهنة كما لا يخفى .  

 و ممّا يجب العناية به و الذي هو مبحث مهم ، الكشف عن حقيقة هذه الأبحاث ، و بيانه أنّ هذه الدراسات الأصل فيها أن تكون ذات طابع تفكيكي تحليلي دون تعدية ذلك بأي وصف قيمي من شأنه اسناد أي نتيجة تعبر عن أحقيّة أو عدم أحقيّة الخلفية المعرفية للباحث ، لأن البحث عندها يخرج عن بعده الأنطولوجي ليجد نفسه في رحاب أبحاث إيطيقية ، و هنا تكمن الخطورة ، إذ الواقع الخارجي بما هو واقع لا يحتمل التعدّد من جهة الوقوع ، فالشيء الخارج عن الذهن ، يحدث بكيفية معينة يقوم الباحث بتوصيفها ، و مثل هذا البحث الوجودي الأصل أن يتّحد فيها الباحثون على مستوى النتائج ، و هذا ما نشاهده في العلوم الطبيعية التجريبية ، إذ كون الباحث صاحب خلفية مؤمنة أو ملحدة لا مدخلية له في توصيف الظاهرة و محاولة تقديم تفسير أقرب للقبول ، و كلّما كان تجميع الباحث للمعطيات أكبر كلّما كان احتمال قربه من التفسير الصحيح أضبط ، و الأبحاث السوسيولوجية و لئن استعارت بعض مناهج العلوم التجريبية ( كالاحصاء و التجميع و التصنيف..) ، لكنها بقيت في خانة العلوم الانسانية ( المنهج الكمّي و الكيفي ) .

و لكنّ الدكتورة آمال لم تلتزم بأيّ شيء مما اشترطنا توفّره كحدّ أدنى في بحثها لما اعتبرته ظاهرة ، أوّلها الحكم على حادثة ما بأنها ظاهرة لمجرد تخمينات ، و الحال أن ما زعمت دراسته لا يعدو أن يكون حالة فريدة ( كما سنبيّن في موضعه ) ، و التفريق بين الظواهر و الأحداث العرضيّة لا يكون جزافا بل سنده إحصائيات تنطلق من استقراء تام أو شبه تام حتى يحصل ظن يقرب من اليقين في هذه النتائج ، ثانيها الانخراط في سلسلة من إرسال أوصاف و أحكام قيمية إيطقية لا مدلول لها خارجي واقعي ، إنما مدلولها نابع من الرؤى المعرفية و الخلفية  الثقافية التي تحكمها ، و هذا ما يظهر جليا في زعمها محاولة تفكيك و تحليل و حفر لأغنية الراب الخاصة بــ " Psyco.m " .

فدون مقدمات و دون تعريفات و حدود واضحة ، بدأت منظومة التوصيفات الخالية عن مدلول خارجي يحتكم إليه عند التنازع في حدود تعريف ما .

فأصبح هذا الشخص مخربا و يدعو للكراهية و يقوض مؤسسات المجتمع المدني و يهدد المواطنة و يدعو للقتل و الحقد و احلال ثقافة الموت و الانغلاق ، ثمّ الأدهى و الأمرّ أنّ الدكتورة وصفت صاحب الأغنية
   بأنه ينضوي تحت الفكر الجهادي و أن ما قام به شكل من أشكال الجهاد المعاصر ، ثم بعدها صارت تكيل التهم و الأوصاف الذميم لهذا الفكر الجهادي الذي ألصقته بحالتها السوسيولوجية ، و يلحظ القارئ الكريم أنها لو زعمت أن صاحبه ممن ينتمي لما يسمى بالفكر الجهادي أو ما يدعى أنه جهادي ، لكان لنا أن نستبعد سوء نيتها ، و لكن و الحال أنها وصفته توصيفا شرعيا ، ثم ذمت هذا الوصف ، فهو يعبر بطريقة أخرى عن طعن في الشرع رأسا ، فلا شك أن الجهاد بمفهومه الشرعي عند أهل الإسلام من الدين بل هو ذرة سنام الدين ، و لو أنها استعملت تأويلات مريضة أو بعيدة المأخذ ( ما يسمّى أو يعتبر بالفكر الجهادي ) ، لكان من الممكن تفهّم عباراتها ، أماّ و بهذه الطريقة الفجّة ، فلا محيص عن مساءلتها على أساس أنها تسيء لمفاهيم إسلامية و تعتبرها ممّا ينسف المكتسبات و يقوّض دولة المواطنة و المؤسسات ...

أضف إلى أنّ كل قضيّة فيها نسبة موضوع لمحمول لا بدّ فيها من دليل على ثبوت هذه النسبة في نفس الأمر كما تقرّر في موضعه من علم المنطق ، فرغم كون توصيفات الدكتورة غير وجودية ( قيميّة ) إلاّ أنها خالية تماما من دليل على المدعى ، فنحن إزاء مغالطة مركّبة ، لازم حتم علينا تفكيك هذا التركيب حتّى تتّضح الصورة لدى القارئ و له الحكم الذي لا ينقض .

اللغة وعاء الفكر ، و لمّا كان من المستحيل نقل المعاني الموجودة في الذهن إلى الآخر بدون وسيلة ، عنيت كل الثقافات باللغة كأحد وسائل التواصل ، أي نقل المعنى لذهن المتقبّل ، ففي كل لغة قامت علاقات بين مجموعة من الألفاظ  و المعاني ، و كل لفظ يرتبط بمعنى خاص وضع له ، ارتباطا ينقلنا من تصوّر اللفظ إلى تصوّر معناه  ، و هذا التلازم بين تصوّر المعنى و تصوّر اللفظ هو ما يصطلح عليه باسم الدلالة ، و يسمّى استخدام اللفظ بقصد إخطار معناه في ذهن المتلقّي استعمالا ، و المعاني بدورها تنقسم إلى وجودية ( كمعنى الشجرة للشجرة الموجودة بالخارج ) و    اعتباريّة ( كمعنى الخير و الشر و الاصلاح و النضال و الحريّة ... )  ، فهذا النوع من المعاني لا يقوم بنقل صورة خارجيّة للذهن عند الاستماع للفظ الدالّ عليه ، بل يقوم بتوصيف للشيء من جهة غير وجوديّة ، فالعمدة في هذا التوصيف هي مجموعة المعارف القبليّة ( ثقافة أو اعتقاد أو منظومة فكريّة ) ، فاعتبار هذه المعاني و التي هي مدلولات الألفاظ صادقة أو كاذبة بالنسبة لمطابقتها للواقع من عدمه لا معنى له ، بل الحكم على هذه الألفاظ ( بما هي وعاء لتلك المعاني ) يستند إلى مدى أحقيّة المنظومة الفكرية أو الاعتقاد الذي شكّله .

و هو الذي يعبّر عنه أيضا بوضع و اصطلاح مجتمع ما على مفهوم ذهني قيمي ما ، و هو المسمى بالإيطيقا أو فلسفة الأخلاق ، فالخير و الشر و المواطنة و الحرية و حقوق الانسان و المكتسبات الوطنية و الديمقراطية و القومية و الوطنية ، كلها مفاهيم لا حقيقة لها في الخارج بحيث نعاينها في عند حدوث اختلاف في التعاريف أو حدود استعمال مثل هذه الألفاظ ، و هذا ما يسميه علمائنا الأحكام التي تكون بوضع واضع و لا يعرف العقل الحكم فيها بالتجربة و لا ببديهيات العقول ، فمثال ذلك العلاقة الجنسيّة بين رجل و امرأة لا يصحّ وصفها بالمسموحة أو العيب أو الزنا إلا من منطلق القاعدة  الاعتقادية أو الثقافيّة التي أصدرت هذا الحكم ، ففي الخارج يوجد عندنا فعل فقط ، و لكن الحرام أو الحريّة الجنسيّة ليست موجودات خارجيّة ، بحيث يسع الجميع النظر إليها ، فهذه العلاقة الجنسيّة نصفها بالزنا و الحرام انطلاقا من اعتقاد أحقيّة الشرع ، فهو الوحيد المخوّل تبعا لذلك لإصدار مثل هذه الأحكام ، و الذي يؤمن بالدين لا يسعه رفض هذا التوصيف ( و عليه فالزواج المدني إذا لم تتوفّر فيه الشروط الشرعيّة يعتبر من نظر الشارع زنا ، و لو سميّ في المجتمع زواجا ) ، أيضا الليبرالي قد يرى في هذا الفعل ( أعني العلاقة الجنسيّة ) حريّة شخصيّة تخضع للرغبات ، لا القيود الدينية أو المجتمعيّة و العرفيّة .

و لعلّ أغلب الحروب و المشاكل و سوء فهم الآخر الذي يحدث في العالم سببه مثل هذه الألفاظ التي لا يتفق الجميع على مدلولاتها ، فأي حرب مثلا ، يرى أحد الطرفين أنه صاحب الحق و الآخر يرى عكس ذلك ، هذا يرى نفسه مدافعا عن أرضه و ذاك يرى نفسه ناشرا للقيم الانسانية و الديمقراطية و الحفاظ على أمن المنطقة ، و للخروج من مثل هذه المشاكل و المصادرات لا بد من نقد المرجعيات الثقافية التي تغذي هذه الألفاظ و تصنع لها مدلولاتها ، لا اعتبار هذه الألفاظ مسلمات و بالتالي إلزام الآخر الذي يخالفك المرجعيّة بها ، بمعنى أنه لو سلّم أحقية دين الإسلام و أنه دين من عند الله بالأدلة و البراهين ، فالواجب الانقياد لأوامره ، و لا معنى لمن يصفك حينها بالمتخلّف و الظلامي و الرجعي و مقوّض المكتسبات و ناسف دولة المواطنة ، و لا يصح لأحد أن يرفض مثلا الجهاد أو حكم الردة على اعتبار أنه فعل غير انساني أو وحشي أو ضد الحرية أو ضد الكرامة و الديمقراطية ، لسبب بسيط و جوهري و هو عدم وجود شيء في الخارج اسمه مواطنة و قومية يصحّ أن تكون مرجعا في حدود هذه الألفاظ ، و الأبحاث العقلية المنطقية في طريق بيانها لأقسام الحجّة تحذّر من استعمال مثل هذه الألفاظ التي تحوي شبكة معقدة من المسلمات تنضوي في ثناياها المصادرة و المغالطة .

ملاحظة مهمّة : لو فرضنا وجود مفاهيم قيميّة انسانيّة جامعة لا تختلف حول مدلولاتها التجمّعات البشريّة ، فهذا لا يقدح فيما زعمناه ، إذ تصالح البشر على جملة من هذه المفاهيم ( ليس كلّها يقينا ) لا يستلزم بحال اعتبارها من الأشياء الوجودية ، إذ ماهيّتها تواضع و اصطلاح ، و ما كان كذلك يستحيل أن يصبح وجوديا ، و سقت هذه الملاحظة كي لا أجد أحد المتحذلقين يعترض على كلامي بمثلها ، ففرض وجود قيم انسانيّة مثلى ( الفرض لا يستلزم التسليم ، فهذا الموضوع يبحث في مكان آخر يليق به ) اتفقت البشريّة على تعريف جامع مانع لها لا يستلزم بحال تغيّر حقائقها ، فتأمّل !!

تقول الدكتورة " لقد اخترنا التوقّف ...والتمحيص في الخطاب الذي يروّج له فتبيّن لنا أنّنا إزاء عمليّة اغتيال للماضي والحاضر والمستقبل وتصرّف في الذاكرة الجمعيّة التاريخية قائم على تزييف الوقائع والأحداث وتشويه إنجازات المصلحين والرائدات والمناضلات ونسف للمكتسبات. ومن هنا نتبيّن أنّ ... " طبعا و القارئ اللبيب يستوقفه هذا التمحيص المنقطع النظير ، الذي على إثره تبيّن للدكتورة " اغتيال و تزييف و تشويه إنجازات الرائدات و المناضلات و نسف المكتسبات " ، فلنا أن نسألها عن طبيعة هذا التمحيص المزعوم و الذي تبيّن لها على إثره توصيف " بسايكو آم " بمجموعة من المصادرات و الأحكام القيميّة ( التي حذرنا من استعمالها سابقا ) ، فلماذا لم يتبيّن لنا ما تبيّن لهذه الباحثة ؟؟ثم أليس من حقّنا أن نطالبها بأدلة على قضاياها ، بل كيف جاز لها أن تصادر على المطلوب و تعتبر هذه رائدة و تلك مناضلة و هذا مصلح ؟؟على أيّ أساس تلزمنا آمال قرامي بهذه النتائج ؟؟
كذلك أليس الأولى بها أن تحدّد لنا تعريفا جامعا مانعا لهذه المكتسبات التي زعمتها ، أفلا يمكن إدراج مثل اللواط و السحاق و حريّة البغاء ضمن المكتسبات ، و ما المانع طالما لم تبيّن لنا الدكتورة الخلفيّة الثقافيّة التي حدّدت و شكّلت لها هذه المفاهيم ؟؟؟
أليست هذه وثوقية و إطلاقية ، ألم يكن الأولى بها تعريف الاصلاح و النضال ثمّ مناقضة كلامه بالحجّة ؟؟

و الأغرب أنّ الدكتورة بعد سلسلة مصادراتها العجيبة تقول " و من هنا نتبيّن ... " .يعني تنطلق من مسلّمات ثمّ تبني عليها !!
تضيف الدكتورة صاحبة العجائب " حتى يغدو متنكّرا لماضيه رافضا للقراءات والتأويلات التي تلقّاها في المدارس والجامعات ومستعدّا لقبول ’الحقيقة ’التي يعرضها عليه صاحب ’الكليب’. فمن اعتبروا ’عظاما ’ ... " ، و أردفت بقولها " يستهدف أعلاما اعتبروا أقطاب الفكر النهضوي فيعمد إلى نزع ’القداسة’ والتقدير والإعجاب عنهم قاصدا العبث بإنجازاتهم وإبرازهم في صورة مغايرة ... "
و هل هؤلاء ممن زعمت الباحثة أنهم عظماء و أقطاب الفكر النهضوي لا يقرب ساحتهم النقد ؟؟
ثمّ أليس السؤال الصحيح هو التساؤل عن الآليّة التي تمّ فيها ترميز هؤلاء و اعتبارهم أقطابا ؟؟من اعتبرهم ، و من يلزم من ؟؟
أليس في ما تدعو إليه الدكتورة إرهاب فكري و التأسيس من منظور أيديولوجي لمن يرفض اعتبار هؤلاء رموزا أو أقطابا لما تسميّه بالفكر النهضوي ، و ليتها حدّدت لنا معالم هذا الفكر ، بل ألا يعتبر التحرّر من هذه الرموز تحرّرا من المفاهيم التي فرضت هذا الترميز ، إذ فعل التقديس لا يشترط فيه الوعي ، و الأولى بالباحث أن يبحث كيفية نشوء الظروف المجتمعية و الملابسات التاريخية التي رمّزت الرمز و كسته لبوس القداسة ، و ليس من وظيفته شرعنة أو نزع الشرعيّة عن هذا الرمز ، فلماذا حادت آمال قرامي عن وظيفتها ، و أصبحت تطالب المغنّي " بسايكو آم " بالخضوع للمنظومة الترميزيّة ( السلطويّة ) ، دون التساؤل عن مدى أحقيّة هذا الوصف أو حتى الحديث عن خلفيّته التي كوّنته !!

تكرّر الدكتورة في أكثر من موضع مصطلح " تطرّف " دون أن تقّدم حدا فاصلا بين هذا المفهوم و غيره من المفاهيم ، فقالت : "  وهي مادّة ذات حمولة دعوية متطرّفة يتبادلها الأصدقاء .. " و قالت أيضا : " ولكن ألا يتماهى هذا الخطاب مع خطابات أخرى نعثر عليها في المواقع الإلكترونية ومنابر الحوار ذات التوجّه الأيديولوجيّ المتطرّف؟ .. " ، قلت كيف لنا أن نصنّف أي فعل ضمن أقسام التطرّف ؟؟
ألا يوجد مقياس موضوعي نتحاكم إليه لتحديد من يدخل دائرة التطرّف من الخارج عنها ؟؟
ثمّ هل هذا المقياس ذاتي أم موضوعي بحيث يسع أيّ كان القيام بهذه العمليّة بأدنى تأمّل ؟؟

ثمّ تردف الدكتورة آمال قرامي : " أنّ هذا الخطاب لا يستثني النساء بل إنّنا نذهب إلى أن ّ هؤلاء يمثّلن قطب الرحى .. " و أضافت في موضع آخر : " جام غضبهم على المرأة العربية، والمرأة التونسيّة المثقفة على وجه الخصوص ... " ثمّ واصلت بقولها " ألا يخفي كره النساء واتّخاذهنّ كبش فداء .. "و ختمت حديثها عن المرأة بقولها : "  ’بئس ’الراب’ إن كانت رسالته معادية للنساء، وهنّ الأمّهات والأخوات والبنات ... "و لنا أن نسائل الدكتورة الموقّرة عن السبب الذي يجعل  " بسايكو آم " يستثني المرأة من نقده ؟؟ ثمّ أليس في اعتبار المغني قد هاجم المرأة و النساء مطلقا دون تفصيل  سخف لا يخفى على من حصّل حظّا من عقل !! هو هاجم و انتقد من اعتبرهن منحرفات و زائغات ( بغضّ النظر عن موافقتنا لمقياسه ) و لم يفهم من كلامه قطّ أنّ كلّ النساء على شاكلة " هند صبري " و " ألفة يوسف " و " منجية السوايحي " ...

ثمّ الدكتورة رأت أنّ صاحبنا قد صبّ جام غضبه على المرأة التونسية المثقفة على وجه الخصوص ، قلت و هل هؤلاء النسوة ممن يسمّين أنفسهنّ " رائدات " ، " مثقفات " ، " باحثات " ... يتعالين عن النقد ؟؟
أم هنّ رموز مقدّسة لا يقرب ساحتهنّ إلا من سفه نفسه !!

أليس من حقّنا أن نسائل الدكتورة عن دليل ما زعمت أنّه " اتّساع دوائر الخوف التي تحيط بصاحبها: الخوف الذي يختزل في كلّ من احتلّ موقعا فكريّا أو سياسيا أو ثقافيّا... " ، كذلك أليس من حقّنا أن نتساءل عن شرعية و طبيعة اعتبار هذه الشخصية ممن يحتلّ موقعا فكريّا أم موقعا كفرياّ ؟؟؟

أليست الدكتورة تطالبنا بمسلّمات تفتقر إلى براهين ؟؟ فلو سلّمنا أن هؤلاء أصحاب موقع فكري و ثقافي ( توصيف قيمي يدخلهم في زمرة الخير ) فما نفع النقد و النقض و الرفض بعد ذلك ؟؟ أليس في هذا تقبيح لما افترض حسنه ؟؟ أليس الأولى بالباحث التوقّف فيما لم يثبت بعد دليله ؟؟
لو اعتبرنا " ألفة يوسف رائدة و مناضلة ، ألا يستلزم الردّ عليها و التشكيك في أبحاثها ( طبعا التشكيك لا يكون اتفاقا بل بالحجة و البرهان ) تشكيكا في النضال و الريادة و قيم المواطنة و الحريّة .... ؟؟

و في نفس هذا السياق قولها : " لم يؤسس خطابا إصلاحيا بل أثمر خطابا أيديولوجيا عدميا .. " و زعمها : "  التي تنشر الحياة والبهجة من حولها من خلال قيم إنسانية مثلى ترددها الجموع... " و اتهامها : " ليتحوّل ’الراب’ المؤسلم إلى سيف قاطع مسلّط على الرقاب لا يغذّي الروح بل يقتلها؟ .. "و لا يخفى على اللبيب ضبابية هذه الإطلاقات التي وصّفت بها هذا المغنّي ، إضافة إلى تحوّل خطابها إلى خطاب ميتافيزيقي ، حيث أصبحت حاكمة على ما يقتل الروح و ما يميتها ، و لست أدري في أيّ مستوى من مستوياتها الدراسية وجدت هذه التعابير ؟؟
و الحيرة تعتورنا حينما نتساءل عن الخانة التي تدرج فيها أبحاثها هي و صويحباتها حول السحاق و اللواط و الوعي القضيبي  و الأبحاث الجندرية و بنيان الفحولة ؟؟

هل هي من صنف الخطابات الأيديولوجية المثمرة ؟؟ و هل هي ممّا ينشر البهجة و الحياة و ينعش الروح و يغذّيها ؟؟؟

ثمّ تتوالى عجائب دكتورة السيسيولوجيا ، لتتحفنا بقولها " وإذا اعتبرنا أنّ اللغة تكون في خدمة السلطة تبيّن لنا أنّ لغة الخطاب ’الرابي’ قائمة على القطع والجزم وتكرار الشعارات وسَوق الناس قهراً باتّجاه تبنّي رؤية مخصوصة للكون والفرد والحياة... " .

أليس في اعتبار مقدمتها " اللغة في خدمة السلطة " مناقضة لمنهجها ؟؟
أليست الدكتورة تخطابنا بما يدخل في جنس ما يسمّى لغة ؟؟
فهل تبيّن لنا أنّ خطابها قائم على القطع و الجزم و تكرار الشعارات و سوق الناس قهرا باتّجاه تبنّي رؤية مخصوصة للكون و الفرد و الحياة ؟؟؟

هل تخطابنا الدكتورة بإشارات الصم و البكم أم بلغة ذات حروف و رسوم ؟؟؟

ثمّ الجزم و القطع لا يعدّ خللا معرفيا و لا ثقافيّا و لا برهانيّا ، إنما الخلل في الجزم حيث لا قابليّة للموضوع محل البحث للجزم ، و سببه قصور الدليل عن بلوغ مرتبة اليقين ، و لكن لا يستلزم هذا جعل كل موضوع بحث مما لا يمكن الجزم فيه ، فهل من العيب أن نعتبر أحقيّة دين الإسلام دون ما سواه من الديانات و الفلسفات ؟؟؟ أليس العيب في فقد الدليل على هذه الأحقيّة ؟؟ ثم ألا يرى القارئ صبغة الوثوقية و الجزم و القطع في إصدار أحكامها القيميّة على مغنّي " الراب "  " بسايكو آم " ؟؟
ألا تفترض ( مجرّد افتراض ) غلط أحكامها و أنّها ممن وقع في فخّ التزييف للواقع و الرضوخ لمسلمات مجتمعية لا حقيقة لها في الخارج ؟؟؟
لما كلّ هذا الجزم يا دكتورة مع رفضك لمسمّاه ؟؟
أليس في هذا تناقضا تأباه العقول السليمة ؟؟؟

بناء على مرّ ، فممّا لا شكّ فيه أنّ القارئ المنصف سيستغرب صدور مثل هذه الأحكام القيميّة و التي تفترض أحقيّة معرفية من باحثة سيسيولوجية ( حاصلة على شهادة دكتوراه ) ، إذ الحقيقة التي تقضي باعتبارية الألفاظ التي استعملتها الدكتورة آمال في مقالها و التي وصّفت بها مغنّي " الراب " ، ليست من الأمر الخفيّ ، بل جلّ الفلسفات قد انطلقت من هذه الحقيقة ، بقطع النظر عن سعي يعضها لتأسيس مفاهيم محددة تكون جامعة لكل مواضعات و اصطلاحات كلّ التجمعات البشرية ، أو سعي بعضها الآخر لفرض ما تراه حقّا و اعتبار ما عداه خطرا يحدق بالحضارة الانسانية !!

كل هذا لا يتصوّر جهله بحال ، و لكنّ القارئ الكريم سيصدم لا محالة إذا وضعنا أمامه ( بإيجاز ) منهج الدكتورة آمال قرامي في كتاباتها ، ففي كتابها «الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية - دراسة جندرية» (دار المدار الإسلامي) و الذي يناهز الألف صفحة ، استعملت فيه طريق الدراسات الجندرية ، أي الاختلاف بين الذكورة والأنوثة لا من جهة الفوارق البيولوجية ، بل بإرجاع ذلك إلى منظومة اجتماعية ثقافية رسّخت هذه الفوارق عبر علاقات القوة التي تحكم نسيج المجتمع ومؤسساته ، فهذه الفوارق مردّها تواضع و اصطلاح مجتمعي لا مدلول له خارجي ، و ما نراه أمراً طبيعياً ومألوفاً ، إنما هو من صنع الثقافة المجتمعيّة التي نعيش في صلبها ، و قد سعت الدكتورة ( بغضّ النظر عن توفيقها من فشلها ) إلى البحث عن معيار التفرقة بين الجنسين عبر تفكيك العوامل الثقافية و التربوية ، و ركّزت الباحثة مجال دراستها على مسار الاختلاف بين الذكورة و الأنوثة في الحضارة العربية الإسلامية .

في بحثها هذا ، تخضع الدكتورة كلّ المفاهيم الاجتماعية المرتبطة ببحثها للنقد و التمحيص و المساءلة ، هي تعتبر أنّ هذه التفرقة مردّها تواضع اجتماعي ، لازمه افتراض عدم أحقيّة هذه الألفاظ التي رسّخت هذه التفرقة بين الذكورة و الأنوثة ، بل بحثت في كيفيّة تشكلّها و في العوامل التي رسّختها ، إذ هي تنطلق من الحقيقة التي ذكرناها ، أعني اعتبارية الألفاظ التي لا تشكّل مدلولات وجوديّة ، إنّما مدلولاتها تتشكّل في الذهنيّة العقديّة أو الثقافية التي سيطرت على التجمّعات البشريّة .

و السؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا لم تلتزم الدكتورة بالمنهاج الذي سطرته لنفسها في كتاباتها عندما تعاملت مع ما أسمته " الراب " ذي المضمون العدمي الذي ينشر ثقافة الكره و الحقد ؟؟ و هذا ينقلنا للسؤال الآخر : لماذا ركّزت الدكتورة ما أسمته بالتفكيك و الحفر و العلاج لأغنية  "بسايكو آم "فقط ، فكلامها الذي قالت فيه : " لقد اخترنا التوقّف عند ’كليب’ صاغه " بسايكو آم " والتمحيص في الخطاب الذي يروّج له " يجعلنا نتساءل عن الأسباب التي تقف وراء هذا الاختيار ، إذ إنّ " الفايسبوك " يعجّ بعديد المغنين لهذا اللون من الغناء ، و الأسباب التي زعمتها لتحليل ما أسمته ظاهرة نجدها حاضرة بقوّة في غيره من المغنيّن ، فالأغاني التي تتّخذ من الفتاة التونسية موضعا للنقد و السخرية ( مع استعمال ألفاظ بذيئة في عرف المجتمع ) لا يحصرها عدّ ، و الأغاني التي يقع فيها السباب بين مزاولي هذا اللّون من الفنّ أكثر من أن نشير إليها ، و نقرة بسيطة على المجموعات التي تعنى بغناء " الراب " تكشف عما نزعمه .

و الجواب عن هذين السؤالين يقتضي البحث و الوقوف على مضمون الأغنية التي قدّمها  " بسايكو آم " ، إذ بتأمّل دقيق لكلماتها يمكننا أن نقترب من السبب الذي جعل الدكتورة تحيد عن منهجها الذي التزمت به في كتاباتها و حادت عنه في نقدها ، و الذي جعلها تختار هذا المغنّي دون غيره .

الأغنية الأخيرة التي صاغها   " بسايكو آم " تستعرض التاريخ الحديث لكن على وجه مخالف لما يدرّس في الجامعات ( على ما هو واضح ) و على وجه ينبو عمّا استقرّ في المخيال الجمعي ، فأعاد المغنّي في دقائق معدودة كتابة التاريخ كماهو ، أي بسرد كلّ الوقائع التاريخية ، و ترتيبها زمنيّا دون الانخراط في أسلوب الانتقائية ( هذا هو سبب تزييف التاريخ ) ، مع ربط هذا كلّه بمرجعيّته الإسلامية التي على كلّ مسلم أن يفترض أحقيّتها ، و هو ما استتبعه تفكيك فتحليل لمفاهيم سادت في أوطاننا ، كالوطنية و القوميّة ، إذ يكفي أن تصم أحدهم بأنّه وطني حتى يحتلّ مكانا مقدّسا بين الناس ، و من يوصف باللاوطنية هو شخص شرير لا يستحقّ العيش ، الأمّة العربية أمّة واحدة من الخليج إلى المحيط ، هكذا علّمونا و درّسونا و أرادوا لنا أن نقتنع و نقنع غيرنا به ، الذي يشكك في هذا يشكك فيما افترض قدسيّته و تنزّهه عن النقد و المساءلة ، لذلك فعمل  " بسايكو آم " يتلخّص في البحث في مدلولات ألفاظ نتداولها يوميا دون أن نعرف حدودها أو كيفيّة نشوئها ، و البحث عن جذورها التاريخية و البحث عن أحقيّتها الشرعيّة ، فالأكيد أنّ نقد مثل هذه الألفاظ ( بما هي وعاء لمعان ) يستتبعه تشكيك في جملة المسلمات ( مواطنة ، مكتسبات ، ديمقراطية ، جمهورية ، حداثة .... ) ، و هذا ما يستتبعه التشكيك في الصورة النمطيّة المجتمعية التي نعيش تحت ظلالها ، و هذا ما يستلزم رفض الواقع و محاولة تغييره إذا غذّي بمفاهيم تؤسس للتغيير .

معناه أنّ التشكيك في لفظ متداول لا يستتبعه تشكيك جزئي ، بل حملة تشكيك واسعة ، لأنّ اللفظ الذي تمّ نقده مرتبط بشبكة معقّدة من العلاقات ، تجعل من تأثر أحدها مدعاة لتأثر و تخلخل غيرها ، فهل التشكيك في مفهوم الوطنية ينحصر تأثيره في استتباعات جزئية على الأفراد ؟؟ أم يستتبع تأثيرا في مفهوم المواطنة و الدستور الذي رسّخ الدولة الوطن و حدّد قوانينها و حدودها ، و الذي يؤسس لنسف ما استقرّ في حياتنا اليومية .

فمثلا تطرح قضية فلسطين على أساس أنها همّ عربي قومي ، و لكن ما الدافع الذي يجعلنا نموت و نضحي في سبيل هذه القومية ؟؟
ثمّ على أيّ أساس نعادي أو نوالي إسرائيل ؟؟ ألا يمكن مع التسليم بهذه الألفاظ بما تحمله من مفاهيم اعتبار من نشر الإسلام في ربوع إفريقية و حارب الكاهنة و كسيلة غزاة و بغاة ؟؟؟ ألا يستلزم التسليم بمدلولات هذه الألفاظ الطعن في أحقيّة الدين ؟؟ ألا يفسّر هذا التناقض و الحيرة التي يعيشها المسلم في عصره و مجتمعه و دولته ( تناقض مع ما يمليه عليه دينه  مع مجموعة المفاهيم المجتمعية التي أشرب قدسيّتها في لاوعيه ) .

هذا المغنّي قام بكشف التزييف الممنهج الذي تعرّض له المسلمون عبر مستويات ، أولها سوق معطيات تاريخية غيّبت عن مجتمعاتنا ، فخصومه لا يرضون الحديث عن الخلافة العثمانيّة إلا أساس أنها احتلال ( تصوير التاريخ على أنّه صراعي قومي عبر تضخيم بعض الأحداث و تغييب معظم الحقائق ) ، و لا يحبّون الحديث عن جمعية الاتحاد و الترقي و لا ينبسون ببنت شفة عن سايس بيكو ، و لا أحد منهم يروم الحديث عن صنع الشريف حسين و قصّة لورنس العرب ، و لا يمكن لأحدهم الحديث عن الحدود الوهمية التي وضعها الاستعمار ، فوطنيّتك التي يجب أن تبذل الغالي و الرخيص في سبيلها تنتهي عند الحدود التي صنعها الاستعمار !!

خصوم مغنّي " الراب "  " بسايكو آم " لا يتكلمون عن وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية كواجب شرعي على الإمام ( لا الحكام ) ، إلا من جهة التشكيك في جدواها بشتّى ضروب السفسطة و التأويلات الباطنيّة ( المرفوضة على اعتبار الإسلام مرجعا و صاحب الأحقيّة المطلقة ) لا أحد منهم يتحدث عن الفرض المناط بهذه الأمة ( فرض كفاية ) من نصب إمام واحد يحكم الأمة بالشريعة الإسلامية ، إلا من جهة اعتماد مراجع تاريخيّة واهية هدفها التشكيك فيما هو فرض شرعي .

كيف يكون هذا اغتيالا للماضي و الحاضر و المستقبل و تصرّفا في الذاكرة الجمعيّة التاريخيّة كما تزعم الدكتورة آمال قرامي ؟؟؟

ثمّ الدكتورة لم تقم بأيّ تصحيح لما اعتبرته تزييفا و اغتيالا ، بل مجرّد توصيفات لا تسمن و لا تغني من جوع في آداب البحث و المناظرة ، فلماذا لم تشكّك في أيّ معلومة ؟؟

لماذا يبدأ التاريخ منذ ما يسمّى بالثورة العربيّة ، و هل لهذه المفاهيم التي شكك فيها  " بسايكو آم "  جذور شرعية ؟؟

كتلخيص لعمل " بسايكو آم " يسعنا أن نقول أنّه قام بعمليّة تشكيك و مساءلة للوعي الجمعي في المفاهيم التي يذب عن حياضها دون إدراك لحقائقها ، هو يرفض أي مرجعيّة غير إسلاميّة ، لا يلتزم إلا بما يمليه عليه اعتقاده ، و يرفض تبعا لذلك كلّ تلك المواضعات التي أرغم على الشرب منها و تقبّلها كمفاهيم لا تقبل النقاش أو الجدال ، و أي تشكيك في جدواها يستتبعه توصيفات من قبيل التخلّف و الإرهاب و الكره و اللانسانية و الظلاميّة ...و عليه فكان الأولى بالدكتورة  مناقشة المرجعية التي شكّلت هذه المفاهيم التي اعتبرتها مسلّمات ( خليط من فلسفة الأنوار و المفاهيم الغربية الحديثة ) ، عوض اعتبار التشكيك فيها تشكيكا في موجود .

و الذي جعل صيحات الفزع ( ممّن يسمون أنفسهم مثقفين ) تملأ أرجاء الفايسبوك و الانترنت ( و ربّما أمن الدولة ) ، هي الجدّة في أسلوب المغنّي " بسايكو آم " ، إذ كما أشارت الباحثة بخصوص كيفيّة نشوء هذا اللون من الموسيقى و الذي شكّل قاعدة الثقافة الأمريكيّة السوداء في مواجهة التمييز العنصري  ، فالسود ابتكروا أسلوبا يمرّرون عبره رسائلهم و كان ردّة فعل استلزمت التمايز فنيّا كنتيجة حتميّة للتمايز الثقافي ، و لكنّ هذا اللون من الغناء استهوى الشباب اليوم بطريقة جنونية نتيجة عدّة عوامل ( ذكر المغنّي البعض منها تلميحا و تصريحا ) ، فما كان منه إلا أن استعمل هذه الوسيلة كطريقة لتمرير رسالته للشباب ، إذ الطريقة المألوفة لن تكون في جدوى رسالة عبر أغنية " راب " ، و عليه فإنّ نقد الدكتورة آمال للمغنّي لم يصب المحزّ ، فلم يسقط " بسايكو آم " في التقليد و المحاكاة كما زعمت ، و لم يعتبر الغرب العدوّ و الأنموذج ، كلّ ما في الأمر أنّه توخّى الطريقة المثلى لتمرير خطابه إلى أكبر عدد من الشباب نتيجة لهوسهم بهذا اللون من الغناء ، فلا ننسى أنّنا نعيش في واقع كما وصفه صاحب الأغنية ، مجتمع تحكمه و تشلّ تفكيره مجموعة من المفاهيم المنبتّة الجذور بدينه ، و المحرّفة لتاريخه و الفاقدة للأحقيّة المعرفيّة ، و في هذا المجتمع السلطة ( الثقافيّة و السياسيّة ) هي التي تفرض و تكرّس تداول مثل هذه المفاهيم ، و تلغي تبعا لذلك غيرها ( كمحاولة لشرعنة وجودها ) ، فلم يكن في وضع كهذا إلا استعمال هكذا أسلوب ، و لا يمكننا تجاهل أنّ ما تكتبه الدكتورة آمال و ألفة يوسف و رجاء بن سلامة و نائلة السليني ( وعي قضيبي ، شرعنة اللواط و السحاق ، الجندرة بما هي مخالفة للفطرة الانسانيّة ) يلقى الدعم الكامل من مؤسسات داخليّة و خارجيّة ، و لنا أن نتسائل عن الأسباب .

 و الذي أدعو إليه بكلمة جامعة القارئ اللبيب ، البحث عن المعلومات التي أودعها " بسايكو آم " أغنيته ، و محاكمة كلّ الألفاظ التي استعملها أو استعملتها الدكتورة آمال قرامي و التي لا تكون مدلولاتها وجوديّة ، وفق أحقيّة المرجعيّة التي شكّلت هذه المفاهيم ، و عندها سيدرك المحقّ من المبطل ، و يسعه حينها الحكم الصحيح المطابق للأمر في نفسه ، إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوّره ، و إنّما كان غرضنا من هذا المقال هو تبيين بطلان المنهج المتّبع في نقد مغنّي " الراب " .

بقيت نقطة أخيرة أودّ من خلالها إرسال رسالة للباحثة آمال قرامي ، و هي باختصار الكفّ عن استعمال أسلوب " أمن الدولة " و محاولة توريط الخصم مع جهات معيّنة لهدف القضاء عليه على المستوى الافتراضي و الواقعي ، و هذا ما ظهر لي من خلال قولها : " وسدّ لجميع المنافذ أمام تحقيق المواطنة والديمقراطية... متجنّبا، في الظاهر، مواجهة الحكّام... " ثمّ قالت : "  انتقادا لاذعا للحاكم المعاصر(الحيّ) الذي ’ترك الحكم بالشريعة الإسلامية’ وأحلّ محلّها مجلّة الأحوال الشخصيّة .. " ثمّ تضيف في آخر المقام و كأنّها تستخفّ بعقل القارئ : " وحتى لا يُفهم احتجاجنا على أنّه دعوة إلى ممارسة الرقابة الصارمة (السياسية والجماعية) على هذه النوعيّة من ’الفيديو كليبات’ أو الأغاني ... " .



بقلم أسامة الباقلاني 

 

2 commentaires:

in lam tasta7i fa if3al ma chi2t!
E rap 7ataw7ed ma 3andou el 7a9 bech y goul fih ech y 7ab!

جزاك الله خيرا على هذا الرد أستاذ و فكرة الرد جميلة جداا
ولكن الكتلبة كثير لم أستطع أكمالها لو كان مثل تفرير لكان حسن

Enregistrer un commentaire

Share

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More