28 nov. 2010

متمعشون من عرق الموتى ... بمباركة رسمية

                                                 


متمعشون من عرق الموتى ... بمباركة رسمية

ازدادت في السنتين الاخيرتين موجة استغلال الاغاني التراثية من طرف من هب ودب بشكل يطرح عديد الاستفهامات ليتحول الامر إلى «هجمة» حقيقية لا يمكن حصر زواياها وتقييم نتائجها فعدة أسماء أبرزها نبيهة كراولي، أمينة فاخت، قاسم كافي، منيرة حمدي وغيرهم أو من نكرات النزل والملاهي قد أعادوا ترديد الأغاني التراثية وتشويهها أحيانا 
ولئن اختلفت مواقف وآراء المتدخلين في العملية الابداعية إلى حد التناقض أحيانا من مدافع على ايجابيات هذا التوجه إلى منتقد لهذا الاسلوب وما يعكسه من إفلاس وضبابية وهامشية فإن بعض المواقف المعتدلة ترى أنه يمكن تحقيق معادلة صعبة دون الاساءة إلى التراث وتشويهه وهو ما وقفنا عليه من خلال الورقة التالية
التمعش من أغاني الموتى
 التوجه إلى الاغاني التراثية يعكس إفلاس وعجز بعض الفنانين في   تحقيق النجاح المطلوب»... مثل هذه العبارة رددها أغلب الذين تحدثنا إليهم في هذا الموضوع. فقد أشار الشاعر الحبيب المحنوش إلى أن هذا الاسلوب يمثل اعتداء على حقوق الغير وخاصة الموتى الذين أبدعوا في فترات معينة. وأضاف «هؤلاء العاجزين يلتجؤون إلى ابداعات الموتى وهنا أتساءل في حيرة ألا يكفي الفنان أنه يعيش إلى حد وفاته مظلوم الحق ليتواصل الاعتداء على أعماله بعد موته... فما للناس يجب أن يبقى للناس فأنا مازلت على قيد الحياة وأغنيتي «الايام والمكتوب» عمرها أكثر من 15 سنة ومع ذلك ترددها المجموعات الصوتية و»المزاودية» ومطربين ومطربات مجهولي الهوية، والغريب أن البعض اعتبرها أغنية تراثية والواقع أنهم يريدون «أن يورثوني وعيني حية» ومثل هذه التصرفات التي يعمد إليها البعض يندى لها الجبين باعتبارها قد ساهمت في انحطاط مستوى الاغنية التونسية بل تدميرها بشكل يطرح نقاط استفهام عديدة
ولم يخف المحنوش أسفه لحالة التهميش التي تعيشها الساحة الفنية والتي أصبحت في حاجة أكيدة وماسة أكثر من أي وقت مضى إلى قرارات صارمة من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث لدفع الفنان إلى إنتاج أعماله الخاصة دون استسهال عملية التمعش من أغاني الموتى وواصل حديثه قائلا «لا أدري شخصيا ماذا أعجب منيرة حمدي في أغنية «باطل يا حمة باطل» التي أعتبرها تافهة بكل المقاييس لكن ما استغربته أكثر أن زهيرة سالم ادعت ملكيتها للاغنية وأقامت الدنيا ولم تقعدها وكأنه سلبوا لها كبدها في الوقت الذي أؤكد فيه هنا أنها أغنية تراثية وليست ملكا لأحد
نهب ولصوصية
  
من جهته شدد الشاعر الغنائي الجليدي العويني على أن الاعتماد على التراث يعكس عجز عدد من الاسماء على النجاح بأعمالهم الخاصة فاتجهوا إلى هذا الاسلوب السهل لسببين، الأول أن الأغنية التراثية موجودة في الذاكرة الجماعية وبمجرد نفض الغبار عنها من الرفوف قد تحقق غاياتها الترويجية، والثاني أن إعادة الحياة إلى هذه الأغاني لا يكلف الفنانين شيئا يذكر مقارنة بالانتاج الخاص. وأضاف محدثنا «الغريب أن حملة النهب تواصلت بشكل محيّر ولم يقتصر «الناهبون» على نهب ابداعات الاموات بل تعدوها إلى ابداعات الاحياء وشخصيا تعرضت إلى هذا النوع من اللصوصية من فيصل الرياحي وحسن الدهماني بآدائهما لأغنية «أنا عاشق يا مولاتي»... وخلاصة القول أن السرقة لم تعد عيبا في أخلاقيات عدد من المغنين الذين ليست لهم أية هواجس ابداعية والمفروض أن تقوم المؤسسات الموكول لها حماية حقوق الاموات والاحياء بدورها على أفضل وجه بوضع أطر قانونية تنظم عملية استغلال الاغاني التراثية مع ضمان حقوق كل الاطراف المتداخلة في العملية الابداعية من شعراء وملحنين وفنانين وموزعين.

لا لتشويه التراث 


لئن طرحت أغلب الاسماء نقاط استفهام في باطنها عديد الدلالات فإن بعض الفنانين اعتبروا أن التوجه إلى الاغنية التراثية يظل مقبولا بشروط. وذهب الشاذلي الحاجي إلى التأكيد على أنه ينبغي على الفنان الاهتمام بمسألة طرح مثل هذه الاغاني وتقديمها بشكل يضيف إلى التراث من جوانبه المختلفة لا أن يسيء إليه ويشوهه ويجب كذلك تقديمها موازاة مع الانتاج الخاص لأن تعويل الفنان على الأغاني التراثية فقط يؤثر سلبيا على الأغنية التونسية ويجعلها في نفق مظلم. ووضح ذلك بقوله «من منطلق إيماني بحق الفنان في التعامل مع التراث فقد أديت أكثر من أغنية تراثية لكني كنت حريصا على الاضافة والتجديد إلى جانب إنتاجي الخاص طبعا. ولابد أنه آن الأوان لتنظم سلطة الإشراف عملية التعامل مع التراث وفق شروط وأطر قانونية تضمن حقوق الجميع وتراعي عديد الجوانب
إفلاس حقيقي 

لست ضد آداء الاغاني التراثية بشرط أن تكون مجرد تجربة في مسيرة الفنان»، بهذه العبارة الواضحة بدأ محمد الجبالي حديثه معنا موضحا أنه سبق له آداء أغنية «غزالة بين الجبال» لعلي الرياحي وتوج بها بجائزة لكن هذه العملية كانت مجرد تجربة في مسيرته الفنية ثم توجه إلى الانتاج الخاص بغزارة. وينظر الجبالي إلى هذه المسألة من زوايا مختلفة بقوله «لا ألوم على المبتدئين في التجائهم إلى هذا الاسلوب باعتبار أن ظروفهم لا تسمح لهم بتكاليف الاغاني الباهضة كلماتا ولحنا ولكني أعاتب بعض الاسماء المعروفة «اللي ما تحبش تصرف» فتعمد إلى التمعش من أغاني الغير. ولا يمكننا بأي حال من الأحوال النهوض بالأغنية التونسية بمثل هذه الأساليب
مجرد "تفويح"

لئن شدد البعض على أن التوجه إلى الاغاني التراثية يعكس العجز والافلاس فإن منيرة حمدي اعتبرت آداءها لبعض الاعمال في الفترة الاخيرة مجرد «تفويح» على حد تعبيرها. وواصلت حديثها قائلة «ليس عيبا أن نعرّف الجيل الجديد بإبداعات الأجيال السابقة وازداد تشبثي أكثر بموقفي في ظل توجه نسبة كبيرة من الشباب لـ"الهاوس" و"الراب" وألوان غنائية أخرى... أنا لست من المتمعشين من التراث لكثرة أعمالي الخاصة لكن نجاح أغنية «غريت بي» شجعني على آداء «باطل يا حمة باطل»... وأؤكد أني لست نكرة أو أبحث عن الشهرة والركب على الحدث لأني حققت الانتشار ورصيدي حافل بإنتاجاتي الخاصة... ما لم أفهمه أن كل الفنانين في الخليج أو لبنان أو مصر يؤدون تراثهم دون مشاكل أو نقاط استفهام وتعجب وهذا الأمر يختلف كليا بالنسبة لنا وكأننا اقترفنا جريمة كبرى
ضرورة تفعيل القوانين

إذا كانت الآراء قد اختلفت بشأن هذه المسألة إلى حد تناقضها أحيانا فإن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث مطالبة اليوم بوضع حد لهذه «الهجمة» التي شوهت في أحيان كثيرة التراث وأساءت إليه. كما أنه يتعين على الاطراف المسؤولة الاسراع في تفعيل قانون حقوق التأليف والتلحين الذي طال انتظاره خصوصا أن مواصلة سياسة التجاهل واللامبالاة لحالة التهميش والضبابية وعدم وضوح الرؤية التي تعيشها الساحة الفنية قد يفضي إلى مزيد تدهور الأغنية التونسية التي تبحث عن تشخيص وتضميد جراحها منذ سنوات عديدة

محمد صالح الربعاوي 

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Share

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More